هل من عطلة “طاقوية” ستنطلق من “البيت الأبيض” لتلفّ العالم كلّه في كانون الثاني؟…
أنطون الفتى – وكالة “أخبار اليوم”
أبرز ما بدأ العالم كلّه يترقّبه بعد انتخاب دونالد ترامب، هو مستقبل تعاطيه مع ملف الطاقة عالمياً، ومع تأثير ذلك على مستوى التغيّر المناخي.
“تقشّف طاقوي”
فبعد سنوات مرّ بها العالم خلال عهد الرئيس جو بايدن بأقصى درجات “التقشّف الطاقوي”، يبشّر ترامب منذ ما قبل انتخابه بشيء من الدفاع غير المحدود عن استخراج الوقود الأحفوري، وذلك بموازاة تصريحات تستخفّ بتغيّر المناخ، وتوحي بأنها مسألة سياسية لا علمية. وهذا ما يُضاعف الأسئلة حول مستقبل النفط والغاز، والطاقات النظيفة، والسيارات الكهربائية، وغيرها.
“أوبك” و”تسلا”…
فهل تؤدي سياسات ترامب “الطاقوية” مستقبلاً الى التسبّب بفرج كبير لدول “أوبك بلاس” عموماً، ولروسيا خصوصاً؟ وهل تشكل أي سياسة “طاقوية” منفتحة على الوقود الأحفوري لدى ترامب، وسيلة استباقية لزيادة الضّغط الاقتصادي، وبالتالي السياسي والعسكري على طهران، وذلك عبر تأمين كميات إنتاج وإمدادات مستقرّة ومفتوحة من كل مكان، بما يُتيح استخدام النفط الإيراني كأداة حرب حقيقية؟
والى أي مدى يمكن لسياسات “ترامبية” مفتوحة على “الأحفوري” من دون حدود، أن تؤثّر على مصالح أحد أعمدة إدارة ترامب مستقبلاً، وهو إيلون ماسك وشركة “تسلا” المنتجة للسيارات الكهربائية؟
تمويل الالتزامات؟
رأت الخبيرة بمجال النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لوري هايتايان أن “سياسة ترامب في ملف الطاقة هو من أبرز ما يترقّبه الجميع الآن. وهنا نذكّر بأننا على مشارف انعقاد “كوب 29″ في أذربيجان، وفيما لا يزال بايدن رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، ولكن بأواخر ولايته تقريباً. وبالتالي، ليس واضحاً بعد كيف ستكون المواقف الأميركية النهائية في هذا المجال، خصوصاً عندما سيُطرَح موضوع التزامات جديدة في مجال الطاقة، وتمويل المشاريع التي يحتاجها العالم لمكافحة التغيّر المناخي، لا سيّما أن ترامب ينادي دائماً بوضع حدّ لكلّ ما يكلّف أميركا أكثر من دول أخرى”.
ورجّحت في حديث لوكالة “أخبار اليوم” أن “نشهد تشنّجات في كل ما يتعلّق بالتمويل المناخي مع ترامب مستقبلاً، انطلاقاً من أن مواقفه تتمحور حول أن جزءاً من التغيّر المناخي هو سياسي، وحول أن التغيّر المناخي ليس علمياً بشكل تام. ولكن لا بدّ من الانتظار أكثر بعد، لتوضيح الصورة على هذا الصعيد”.
بايدن – ترامب
وذكّرت هايتايان بأنه “حتى مع بايدن، ورغم إصدار قوانين مُشجّعة على الطاقات النظيفة، وتشجيع تكنولوجياتها، إلا أن أميركا بقيَت من أبرز منتجي النفط والغاز. وحتى إن بايدن لم يوقف أي مشروع يتعلّق بالوقود الأحفوري كان مُنطلقاً منذ وقت سابق، بل أعاد النظر برخص لمشاريع لم تَكُن انتقلت الى حيّز الواقع بَعْد. ومن جهته، لن يضع ترامب قيوداً تشريعية على مشاريع الطاقة، بل سيترك السوق يعمل بتنافُسية وإنتاجية. وهذا مناسب جداً له، لأن كلّما بقيَ إنتاج النفط والغاز الأميركي مرتفعاً، كلّما أصبحت فرص ضبط أسعار السّلع عموماً مرتفعة أكثر”.
وأضافت:”حتى مع بايدن نفسه، ورغم حروب الشرق الأوسط، لم نشهد أي أثر جيوسياسي فعلي لتلك الحروب على أسعار النفط والغاز. وحتى إن مجموعة بلدان في القارة الأميركية، كالولايات المتحدة، والبرازيل، وكندا، وغيانا، أبقَت خلال ولايته (بايدن) على إنتاج كميات كافية من الوقود الأحفوري، وهو ما ساعد على تعويض أي عجز كان يمكنه أن يحصل في ما لو تعطّلت إمدادات الشرق الأوسط مثلاً، خصوصاً عندما ارتفعت احتمالات حصول مواجهة فعلية مع إيران”.
الغاز الأميركي والروسي
وأشارت هايتايان الى “توقّعات تُفيد بإمكانية أن يستعيد ترامب الضغط على النفط الإيراني من جديد. وهذه سياسة مختلفة عن تلك التي اعتمدها بايدن، والتي كانت انفتاحية على إيران، حتى عندما توقّفت المفاوضات المرتبطة بالملف النووي، إذ سمحت أميركا لطهران بأن تبيع النفط والغاز خلال ولاية بايدن”.
وشرحت:”سوق النفط والغاز الإيراني الأساسي موجود في الصين. وبالتالي، قد يُناسب ترامب أن يفرض ضغطاً على النفط الإيراني لأن ذلك سيخنق هذا النفط من جهة، كما سيضع ضغوطاً على اقتصاد الصين أيضاً، من جهة أخرى، التي تشتري النفط الايراني بأسعار رخيصة بسبب العقوبات. هذا مع العلم أن بكين تستفيد من النفطَيْن الإيراني والروسي بأسعار رخيصة، وتخزّن منهما. فيما تدرك روسيا تماماً أن هناك حدوداً للكميات التي بات يمكنها أن تبيعها لأوروبا بعد حربها على أوكرانيا، وهي (روسيا) تبحث عن أسواق أخرى، لا سيّما في آسيا، حيث يتركز النمو حالياً”.
وتابعت:”مع وصول ترامب الى السلطة في أميركا الآن، لا بدّ من مراقبة كيف ستصبح عليه الأمور على مستوى مستقبل كميات الطاقة الروسية التي لا تزال تدخل الى بلدان أوروبية. فهو (ترامب) سيفضّل حتماً استبدال أوروبا الغاز الروسي بالغاز الأميركي، لا سيّما أن الأميركي أنقذ الإتحاد الأوروبي بعد حرب أوكرانيا. وبالتالي، يمكنه أن يتعامل مع ذلك من زاوية تنافسية، تُفسح المجال لسيطرة الشركات الأميركية على سوق الطاقة في أوروبا. وهنا نذكر أن هدف ترامب الأساسي هو نجاح أميركا واقتصادها، وهذا قد يدفعه الى استعمال ورقة مستقبل الغاز الروسي في أوروبا، كجزء من الصراعات أيضاً”.
ماسك وترامب
واعتبرت هايتايان أن “مجموعة “أوبك بلاس” تعاني أساساً لحفظ قوتها على أسعار النفط. وهي تفضّل السّعر المرتفع أصلاً، لكونه يؤمن لها إيرادات أكثر تستثمرها في بلادها. وهذا ازداد صعوبة مع التحولات العالمية الى الطاقات النظيفة، والسيارات الكهربائية. وإذا زادت أميركا إنتاجها من النفط مع ترامب، فإن ذلك سيتسبّب بأسعار منخفضة أكثر بعد للنفط والغاز، وسيضع ضغطاً أكبر على دول “أوبك” وميزانياتها”.
وختمت:”يُنادي ترامب بكل ما ينفع الاقتصاد الأميركي والشركات الأميركية في مجالات الطاقة الأحفورية والنظيفة والتكنولوجيا وكل شيء، وكل ما يدعم تحفيزها والإبقاء على نشاطها في الأراضي الأميركية، وذلك بدلاً من التسبّب بانتقالها الى آسيا أو الصين. كما أن إيلون ماسك سيكون جزءاً أساسياً من إدارته، وهو ينتج سيارات كهربائية لا تعتمد على الوقود الأحفوري، ما يعني أن ترامب لن يحارب تلك الصناعة من أجل النفط والغاز. وبالتالي، هو سيدعم كل ابتكار مُفيد لأميركا بشكل متوازن”.