الموارنة في لبنان… تاريخ حافل بالحقبات السياسيّة والمفصليّة
الموارنة في لبنان… تاريخ حافل بالحقبات السياسيّة والمفصليّة
كتبت ميليسّا دريان في “السياسة”:
يحتفل لبنان اليوم بعيد القديس مارون، المعروف بـ “أب الطائفة المارونية”.
هذا العيد، الذي يأخذ طابعًا دينيًا ووطنيًا كبيرًا، يُرجعنا إلى تاريخ الموارنة في لبنان ونشأتهم.
إذا أردنا التحدث عن التاريخ، فالكلام لا ينتهي، ولكن يمكننا أن نعدد أبرز الحقبات التي طبعت تاريخ لبنان، وكان للموارنة دور ساطع فيها.
خطأ شائع
بدايةً، يخطئ من يعتبر أنّ أصل الموارنة من سوريا، فهذا خطأ شائع، كما يؤكّد الأستاذ في التاريخ، الدكتور عماد مراد، لأن “الموارنة هم لبنانيون فينيقيون اعتنقوا المسيحية واتخذوا من القديس مارون مثالًا لهم، متجذّرون في هذه الأرض منذ آلاف السنين، اتّبعوا أفكار وعقائد القديس مارون الذي عاش على الحدود السورية – التركية”.
مراد وفي حديثه لـ “السياسة”، يشير إلى أنّ “البطريركية المارونية تأسست في نهاية القرن السابع ميلادي، ومن هذا التأسيس انطلقت فكرة الكيان اللبناني، لأن مزايا البطريركية هي: الاستقلالية، الحرية، العيش بأمان، وكأن البطريركية المارونية هي نواة الكيان اللبناني”.
ويلفت مراد إلى أنّ “البطريركية المارونية حملت هذا الكيان على فترة 1300 سنة، من خلال العيش في الجبال واتباع الحياد عن مشاكل المنطقة، والأهم الاعتماد على الديموقراطية في الحياة اليومية. ومن هذه النقطة، يُعتبر لبنان البلد الوحيد في العالم العربي وأفريقيا وآسيا الذي يعتمد نظامًا ديموقراطيًا، والسبب يعود الى اتّباع الانتخابات في البطريركيّة المارونيّة، انتخابات المطارنة والأديرة والرهبان، حيث أصبح نظام لبنان ديموقراطيًا بعيدًا من الديكتاتورية”.
أبرز الحقبات
مراد، وفي حديثه، يعدّد أبرز الحقبات الأسياسية التي طبعت تاريخ الموارنة والتي أثّرت على الحياة السياسية في لبنان بطريقة مباشرة، مشيرًا إلى أنّ المسيحيين تعرضوا لحملات عسكرية عبر التاريخ قاوموها وانتصروا عليها وأبرزها:
– عهد المماليك: تعرّض المسيحيون لحملات عسكريّة لإخضاعهم سياسيًا وعقائديًا، ولكنهم بحبهم لأرضهم والتزامهم ببطركهم استطاعوا أن يواجهوا المماليك بجبروتهم، تعرّضوا للقتل والاضطهاد، إنما بقيوا في أرضهم.
– العهد العثماني: تنفّس الموارنة الصعداء في العهد العثماني وطبّقوا حرية الصلاة وحرية التعلّم وانتشرت المبادئ المارونية الوطنية (الاستقلالية، الحياد، السيادة…)
– حقبة 1860: بعد التناغم والتعايش والاتفاق الماروني – الدرزي، والمسيحي – الاسلامي عمل العثمانيون على ضرب هذا التعايش، لأنّ لبنان كان يعيش ويتطوّر ويزدهر. لذلك اعتمد العثمانيون مبدأ التفريق بين الموارنة والدروز عن سابق تصوّر وتصميم، وهذا ما أدّى إلى مجازر دمويّة بين الطرفين كان أبرزها مجازر 1860.
– عهد المتصرفية: عارض الموارنة تعيين حاكم أجنبي على لبنان على الرغم من أنه مسيحي. وعلى الرغم من إخضاعهم تمكن الموارنة من تحقيق نجاح باهر في ميادين الاقتصاد والثقافة والعلم، رغم من فشلهم في السياسة.
– الحرب العالمية الاولى: تعرّض الموارنة والمسيحيون واللّبنانيون إلى محاولة إبادة تشبه التي حصلت مع الأرمن في تركيا. لكنّ عوامل عديدة أنقذتهم من هذه الإبادة وخرجوا من الحرب العالمية الاولى بانتصار سياسي ما أدى إلى إعلان دولة لبنان الكبير عام 1920.
– عام 1943: كان الموارنة في طليعة المطالبين بالاستقلال من الانتداب الفرنسي ولو أنّ فرنسا هي الأم الحنون، وهنا لعبت البطريركية المارونية دورًا كبيرًا بالمطالبة بالاستقلال.
– عهد الازدهار: في عهد الاستقلال، مع الرئيس كميل شمعون والرئيس فؤاد شهاب عاش لبنان فترة 12 سنة رائعة. عهد ازدهار وتطوّر فنيّ، علميّ، ثقافيّ، أمنيّ، طبيّ، سياسيّ، واقتصاديّ، ازدهار لا مثيل له .
– لبنان يتراجع: للأسف، وفي ظل هذا الازدهار كانت “الغيرة” الخارجية أقوى من الوحدة الداخلية. فعملت الدول المجاورة على تفرقة الصف الداخلي، فكانت الدول الكبرى والاقليمية تغار من ازدهار لبنان، مما أدى إلى نشوء كيان عدوّ إلى جانب بلدنا وهذا ما أدى الى حرب داخلية عام 1975. ومنذ ذلك للوقت بعدما تم تسليم لبنان إلى السوريين فترة 30 سنة، لعب الموارنة دورًا كبيرًا في الحفاظ على هذا الوطن وما زال اليوم يعيش اللبنانيون والموارنة صراع البقاء.
– الاستقلال الثاني: حقبة جديدة طبعت تاريخ لبنان مع البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير في الاستقلال الثاني.
– الراعي يرفع الصوت: في 5 تموز 2020 رفع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الصوت بوجه رئيس الجمهورية ميشال عون وطالبه بتخفيف الضغط على الدولة اللّبنانية وتحريرها، وهذا يعني أنّ مسيرة الاستقلال والسيادة ما زالت مستمرة حتى اليوم.
يختم مراد: “اليوم، بعد كل الحقبات التاريخية، تؤدي الكنيسة دورًا مع البطريرك الراعي لبناء كيان مستقل في ظل سلاح واحد للدولة اللبنانية وسلطة قوية بعيدًا من الصراعات الخارجية والدولية تحت مبدأ الحياد الذي سيخرج لبنان من أزماته”.
إنطلاقًا مما تقدم، يتبيّن لنا أن تاريخ الموارنة رسم مستقبل لبنان، ومبادئهم رسمت دستور لبنان، وحتى اليوم يبقى للموارنة حيّزًا كبيرًا من الاستقلال والسيادة والحرية… والحياد الذي يُطالب به!