Cover Photo
أخبار لبنان

إنتخابات نيابية مبكرة؟

 

للمرة الثالثة على التوالي، يتطرّق رئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى قضيّة “الإستعصاء الرئاسي وأسبابه” المستبطنة في التوازن السلبي ضمن المجلس الحالي، حيث تتوزّع الكتل من ضمن تحالفين كبيرين مضادين وليس ثمة من دور لكتل وسطية متحركة. كلام بري الذي له وزنه ليس الوحيد، إنما باتت بعض المجالس على قناعة في أن أصل المشكلة تكمن في مجلس النواب وتركيبته وتوازناته التي تكاد تكون أسباباً معرقلة لإنتخاب الرئيس.

 

مع انقضاء انتخابات 2022 وبدء تكشّف تركيبة المجلس، نقل عن مرجع سياسي كبير قوله إن التركيبة الحالية “مولّدة للمشاكل وتفرّخ أزمات”. وقد أبدى يومها في حديث مغلق، اعتقاده بأن “المجلس بصيغته الحالية” لن يعمّر أو أنه لن ينجح في خوض الإستحقاقات”. إرتكز المرجع في رأيه على عامل مهم، حيث أن الكتل الصغيرة ـ المركبة خلّفت (أو ورثت) الكتل الكبيرة المتجانسة، لا سيما لدى الطائفة السنية التي تفرّق شمل نوابها نتيجة عزوف الرئيس سعد الحريري، ولم يعد هناك من مرجع قادر على الجمع، وقد تفرّعت عن كتل أساسية كبرى، كتل متحركة على شكل “نواب التغيير” الذين أثبتوا انهم فئة غير متجانسة ومتباعدة فكرياً وسياسياً.

الآن تتعمّق المشكلة أكثر في ظل بروز حالة من التشظّي داخل الكتل الصغيرة أيضاً والتباينات بين أعضائها وفي مواقفهم سواء في مسألة الإقتراع للرئيس أو على صعيد المرشحين أو غير ذلك، وعدم القدرة على إيجاد مسوّغ للجمع، وانصراف كل فريق صوب التموضع ضمن نهج، ومن نتائجه أن أدّى إلى انقسام عامودي على شكل بلوكات.

ولا بد أن ثمة حلّ لهذه المعضلة يتوفر عادة في دساتير الدول، كالذهاب إلى حل مجلس النواب والذهاب إلى انتخابات مبكرة كما جرى في فرنسا أخيراً. غير أن حالة كتلك منعدمة في التركيبة اللبنانية نتيجة التغييرات التي حكمت اتفاق الطائف عام 1990. أمام هذا المأزق ثمة نظريات تطرح كمخارج، الركن الأساسي فيها شبه الإقتناع بأن المجلس الحالي فشل في الإجتماع لانتخاب رئيس، وبالتالي أصبح أداؤه محكوماً بالفشل ولا بد من الذهاب إلى عمليات جراحية. وثمة من يقول إن كلام الرئيس برّي يستبطن، في العمق، نوعاً من التلميح إلى هكذا حلول.

على أي حال، يتبنى هذا المستوى مجموعة من النواب، يعتقدون بضرورة الذهاب صوب استقالات جماعية وفق شكل يؤدي إلى فرط نصاب مجلس النواب، بما يدفع إلى جذب الكتل نحو تفاهم على تقريب موعد الإنتخابات النيابية. وليس سراً أن هذه الكتلة موزعة بين نواب في المعارضة وآخرين ضمن “الموالاة”، عبّر عن الجزء الأول منها النائب ميشال ضاهر الذي جاهر في مطلب الإستقالة الجماعية خلال اجتماع لقوى المعارضة، مقترحاً موعداً لها نهاية العام في حال عدم التمكن من إيجاد حلول، بينما يفضِّل النواب القاطنون على مقلب الموالاة ترك الأمور لوقتها.

المستوى الثاني، وإن بات مقتنعاً بأن المجلس الحالي ليس على صورة انتخاب رئيس، ينتظر حلول موعد الإستحقاق النيابي عام 2026 كي يتولى ذلك المجلس المهمة. وبما أن تباشير الإستحقاق تطل برأسها عادة قبل عام أو عام ونصف من حلوله، يعتقدون أن العبور إلى عام 2025 يؤدي إلى موت سريري للإستحقاق الرئاسي، مع تفرّغ الكتل والتيارات إلى الحملات الإنتخابية فيتحول الإستحقاق الرئاسي إلى بند ثانٍ على جدول الأعمال. وهؤلاء يعتقدون أن الأداء النيابي الحالي يدعم وجهة نظرهم في أن الوضع الحالي يؤشّر إلى اقتناع معظم الكتل بأن درب الإقتراع لرئيس في هذا المجلس غير متوفرة.

لكن ثمة من يتحدث عن أن مشكلة المستويين الأول والثاني قائمة في احتمال يطرحه فريق ثالث وقوامه: هل تجوز إقامة الإنتخابات النيابية في ظل عدم وجود رئيس أو عملياً فراغ رئاسة الجمهورية؟ وفي مقام ثانٍ، وفيما لو سرت إستقالات جماعية، هل أن ذلك يؤدي إلى سقوط مجلس النواب أو حلّه في ظل انعدام وجود المواد أو التفسيرات الدستورية الواضحة؟

في المقابل، ثمة قضية مضادة تتحدث عن اعتقاد غالبية نيابية بعدم جواز الإستمرار في قانون الإنتخابات الحالي طالما أنه أصل المشكلة في ما نحن به، وعليه وجب وقبل أي شيء آخر، وفي حال أريد إصلاح التمثيل، أن نذهب صوب بحث قانون إنتخابي آخر، أو تعديل الحالي بالحد الادنى قبل الذهاب إلى استحقاق إنتخابات 2026. وفي هذه النظرية طُرحت إحتمالات التمديد للمجلس الحالي حتى يُصار إلى بلوغ تلك الغاية طالما أن القاعدة السارية هي في أن بحثاً كهذا سيأخذ زمناً كحال ما حصل وصولاً لإقرار القانون الساري، مع الإشارة إلى أن أقطاب وساسة نقلوا وجهة النظر هذه، وليس آخرهم نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب. وما يزيد من الشكوك حول جدية هذا الطرح في مكان، وجود اعتقاد راسخ لدى فئة غير قليلة من أن إصلاح الأوضاع في لبنان على المستويين السياسي والمالي والإداري لا بد أن يأتي من ضمن سلة توافقات شاملة.

بالعودة إلى الحديث حول القانون الإنتخابي، المطروح الآن وكما في كل يوم، إدخال تعديلات أو تغييرات على بعض بنوده لجهة توزيع الدوائر والتقسيمات، أو لناحية الآليات الحاكمة للإقتراع. هل تبقى صوتاً تفضيلياً واحداً أو صوتان.

عملياً كلما تعمّق النقاش في الإشكاليات فرّخ أسباباً أخرى، كمثل أي حل من هذا القبيل (أي حل) يحتاج إلى دعم فريق مسيحي وازن. وإن سلّمنا أن “الثنائي الشيعي” بوصفه مركزياً في نقاش أو حل من هذا النوع ولا بد له الذهاب صوب حليف مسيحي، إذاً من البديهي أن يكون “التيار الوطني الحر”، وبالتالي يتولد سبب ثانٍ عن الثمن المتوجب على الثنائي تسديده لقاء إقناع العونيين بأي حل من الحلول. فهل يحتمل رئيس المجلس (أو حزب الله إستطراداً) منح جبران باسيل مكافأة تكاد تكون أكبر من حجمه، وتنعكس تمثيلاً في مجلس الوزراء في ظل الواقع الراهن.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

.comment-area, .comments, .comments-area, #comments, .comment-list, #respond { display: none !important; }