الراعي: لا نستطيع البقاء خارج إطار الحقيقة والعيش في الكذب على بعضنا البعض فيما وطننا يتلاشى أمام أعيننا
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الأحد الاول في كنيسة الصرح البطريركي الصيفي في الديمان، عاونه القيم البطريركي على الجبة وزغرتا إهدن المطران جوزف نفاع، الأب فادي تابت، أمين سر الديوان البطريركي الاب خليل عرب، القيم البطريركي في الديمان الاب طوني الاغا، كاهن رعية الديمان نافذ صعب، وامين سر البطريرك الأب هادي ضو .
وحضر القداس رئيس الرابطة المارونية السفير خليل كرم وأعضاء الرابطة , اهالي الديمان، زود الجمعية الطبية اللبنانية الدولية، وفد من جمعية فرسان الارز، وفد كبير من رابطة آل زغيب في قضاء جبيل يتقدمهم رئيس الرابطة المحامي جوليان زغيب عضو مجلس بلدية جبيل ونائب رئيس البلدية سابقا، ويرافق الوفد رئيس مكتب التواصل مع المرجعيات الروحية في حزب القوات اللبنانية أنطوان مراد. وعدد كبير من المؤمنين .
بعد تلاوة الانجيل المقدس، القى الراعي عظةً بعنوان: “هوذا فتاي الذي اخترته … ليصل بالحقّ إلى النصر، وفي إسمه تجعل الأمم رجاءها” (متى 12: 18 و 21) ، قال فيها: “إطار هذا النصّ الإنجيليّ هو شفاءات يسوع للعديد من المرضى الذين كان يلتقيهم، الأمر الذي أثار غضب الفريسيّين، لأنّ الشعب تركهم وراح يبحث عن يسوع. فامتلأوا غيظًا وحسدًا، وراحوا يتشاورون على قتله. فتّمت فيه كلمة أشعيا النبيّ: “هوذا فتاي الذي اخترته … ليصل بالحقّ إلى النصر، وفي إسمه تجعل الأمم رجاءها” (متى 12: 18 و 21). فتبيّن هذه النبوءة أنّ المسيح الآتي لا ينافس أحدًا، ولا يسعى إلى إقصاء أحد، فهو لا يخاصم، ولا يصيح … قصبةً مرضوضة لا يكسر، وفتيلةً مدخّنةٍ لا يطفئ” (متى 12: 19-20). بل ينير جميع الناس بالحقّ، وينصر الحقيقة على الباطل، ويزرع الرجاء في القلوب. هذه هي رسالته، رسالة الكنيسة برعاتها ومؤسّساتها ومؤمنينها”.
وقال: “يسعدني أن أحتفل معكم بهذه الليتوجيا الإلهيّة في الديمان، فأحيي أهالي الديمان الأعزّاء الذين يشاركون فيها كالعادة في هذا الأحد الأوّل من شهر تمّوز المبارك. فإنّي أقدّم هذه الذبيحة الإلهيّة من أجلهم، ذاكرًا أحياءهم وموتاهم، المقيمين منهم على أرض الوطن والمنتشرين. كما أصلّي من أجل مرضاهم ونموّ أجيالهم الطالعة بالإيمان المسيحيّ. وأحيّي رئيس الرابطة المارونيّة سعادة السفير خليل كرم وعمدتها وسائر الأعضاء. كما أرحبّ بالجمعية الطبية اللبنانية الدولية التي تجمع الأطبّاء اللبنانيّين المنتشرين ILMA، المتواجدين في 17 دولة، منها أستراليا، الولايات المتّحدة، المملكة المتّحدة، السويد، البرازيل، المكسيك، إسبانيا وسواها. إجتمعت في 5 و 6 تمّوز في بيروت وساعدت أكثر من 50 طالب طبّ في جامعات لبنان بمنح دراسيّة. كما ساعدت لبنان أثناء جائحة كورونا، وتفجير مرفأ بيروت من خلال الصليب الأحمر اللبنانيّ، وكاريتاس لبنان، والجيش اللبنانيّ ووزارة الصحّة، وسواها من المنظّمات. فلها شكرنا وتقديرنا. وأرحّب أيضًا بجمعيّة فرسان الأرز التي تأسست في عيد العنصرة 2021 في مزار سيّدة لبنان حريصاأعضاؤها شبيبة جامعيّون ومتخصّصون في مجالات متنوّعة: كالطب والهندسة والمحاماة وغيرها، تكرّسوا لخدمة الكنيسة والوطن، واتخذوا الميثاق الوطني الشامل الذي أطلقناه دستورًا لهم وقانونًا. ويسعون إلى الوحدة في العائلة والمجتمع مع المحافظة على التنوّع. الشرف مسارهم، التضحية رسالتهم، الخدمة هدفهم، والفرح مطلبهم في عالم طغت عليه السلبيّة والسوداويّة فزرعوا الفرح حيثما حلّوا. ولاؤهم الأوّل والأخير للمسيح وكنيسته والسلطة فيها. تقوم حاليًّا جمعيّة فرسان الأرز بمخيّمها التدريبي السنويّ في المدرسة الأنطونيّة في حصرون تحت عنوان الإعلام في خدمة الإنسان والمسيح هو الإعلاميّ الأوّل مشدّدين على إظهار وجه الإعلام الإيجابيّ في عالمنا اليوم من خلال الإضاءة على أوجه السلام والمحبّة والمغفرة فيه، وكحقيقة نستطيع أن نعيشها في مجتمعنا بدل صورة القتل والدمار. وأرحّب أخيرًا بالوفد من رابطة آل زغيب في قضاء جبيل. فأحيّي رئيسها المحامي جوليان زغيب والأعضاء، وهم في زيارة تقويّة إلى بقاعكفرا وأرز الربّ. فنتمنّى لهم زيارة مباركة”.
واردف: “بحسب نبوءة أشعيا، المسيح هو فتى الله أي عبدالله من فعل عَبَدَ لا استعبد. هو عابد الله ولذلك هو “حبيبه الذي اختاره، وعنه رضي، وسيجعل روحه عليه فيبشّر الأمم بالحقّ” (متى 12: 18). بهذه الكلمات يحدّد أشعيا هويّته أي مسحة الروح القدس التي تجعله مسيحًا، ورسالته أي تبشير الأمم بالحقيقة المثلّثة: حقيقة الله والإنسان والتاريخ. هذه الهويّة وهذه الرسالة هما هويّة الكنيسة ورسالتها برعاتها ومؤمنيها. وحده يسوع يكشف لنا حقيقة الله، لأنّه “صورة الله الذّي لا يرى” (كول 1: 15)، و”ضياء مجده” (عبر 1: 3)، و”الطريق والحقّ والحياة” (يو 14: 6). وحده يسوع يكشف لنا حقيقة الإنسان. ذلك أنّ سرّ الإنسان لا ينجلي حقًّا إلّا في سرّ الكلمة المتجسّد، الذي يكشف مليًّا للإنسان ذاتيته الحقيقيّة ويكشف له سرّ دعوته (الكنيسة في عالم اليوم، 22). وحده يسوع يكشف لنا حقيقة التاريخ الذي يستمدّ نوره ومعناه من أحداث الخلاص الذي أتمّها يسوع المسيح، والذي ينبغي أن يتماهى مع تاريخ الخلاص”.
وتابع : “لا تقتصر خدمة الحقيقة على رعاة الكنيسة، بل هي واجبة على كلّ مسيحي ومسيحيّة. فالمسيح – النور الذي “ينير كلّ إنسان آتٍ إلى العالم” (يو 1: 9)، إنّما يصيّره “نورًا في الربّ وابنًا للنور” (أقسس 5: 8)، ويدعوه ليتقدّس بالطاعة للحقّ (1 بط 1: 22). هذه هي أهميّة الوجود المسيحي في أي مكان، ولا سيّما في لبنان وبلدان الشرق الأوسط، حيث تتّسع ظلمة الماديّة والأنانيّة والاستهلاكيّة، وظلمة البغض والحرب والعنف والإرهاب. لقد قبل الشعب المسيحيّ مسحة الروح الذي أُفيض عليه من المسيح-الرأس، بالمعموديّة والميرون، لكي يكون شاهدًا لإنجيل الحقيقة. يعلّم قداسة البابا فرنسيس في إرشاده الرسوليّ “فرح الإنجيل” أنّ المسيحيين هم شعب الله الذي يعلن الإنجيل، “شعب سائر نحو الله مبشّرًا بالإنجيل” (فقرة 111)، “شعب للجميع” منفتح على كلّ الشعوب والثقافات، يدخل معهم بحوار الحقيقة والمحبّة. فالخلاص بالمسيح وهو قمّة الحقيقة، الموجّهة إلى الجميع، لا إلى كائنات متفردة. ليست الحقيقة منفصلة عن واقع حياتنا اليوميّ، وعن شؤوننا الزمنيّة. الوجود نفسه حقيقة تعطيه إطارًا ومقتضيات وحقوقًا وواجبات. هذا نقوله عن الشخص البشريّ، وعن العائلة والمجتمع، عن الكنيسة والدولة، عن الإقتصاد والاجتماع. ولذلك الحقيقة ثقافة ينبغي اكتسابها. لا يحقّ لنا أن نعيش بمعزل عن الحقيقة في كلّ قطاعاتها وأبعادها”.
واضاف: “إنّنا في لبنان نعيش أزمة حقيقة. فلا بدَّ من العودة إليها، أوّلًا لكي ينتخب المجلس النيابي رئيسًا للجمهوريّة وفقًا للدستور الواضح والصريح. لا نستطيع البقاء خارج إطار الحقيقة، والعيش في الكذب على بعضنا البعض، فيما وطننا يتلاشى أمام أعيننا بمؤسّساته الدستوريّة. بل علينا أن نعيش ثقافة الحقيقة الواضحة التي لا لبس فيها، فنتصارح ونتصالح بها وعلى ضوئها.
وختم الراعي: “فلنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات، كي يقودنا الله إلى الحقيقة التي تجمعنا وتوحّدنا على غنى تنّوعنا وتعدّديتنا الثقافيّة والدينيّة. له المجد والتسبيح الآن وإلى الأبد، آمين”.
وبعد القداس، استقبل الراعي الوفود المشاركة في الذبيحة الالهية، والقى مختار الديمان ريمون البزعوني كلمة رحب فيها بالراعي، مؤكدا مواقفه الوطنية، آملا ان “ينعم علينا الله بالخير ببركة وحضور البطريرك الراعي في ربوع الوادي المقدس”.